يحكى عن ذلك الرجل الذى كان سائرا عندما قطع البعض عليه طريقه و قد تقدم أحدهم شاهرا سلاحه فى وجهه سائلا اياه فى نبرة عنيفة:أنت معانا و لا مع الناس التانيين ؟
ارتعد الرجل و فكر سريعا قبل أن يتمالك نفسه لينطق بالإجابة التى رأها نموذجية لانقاذه من هذا المأزق فرد و قد ظن أنه ناج لا محالة قائلا:أنا معاكم
هنا نظر الأخر اليه فى انتصار و قد علم أنه أوقع به فقال :إحنا الناس التانيين
ثم قتله و ضحك...و ضحك الجميع...!!!ا
من الوارد أن تكون قد سمعت تلك النكتة الشهيرة تروى بأكثر من صياغة ... بالطبع ستكون أكثر امتاعا من صياغتى السابقة و لكن على كل حال ليس المهم رواية النكتة الأن بقدر ما تحمله من معنى رأيته مرتبط بواقعنا بشكل كبير.و لعل ذلك يرجع الى أن واقعنا الأن لا يعدو كونه نكتة...و لكنها بلا شك أكثر سخافة من جميع النكات التى رويت منذ بدء الخليقة.ففى الواقع نجد ذلك المشهد يتكرر على جميع الأصعدة و ينتهى بنفس النهاية دون أن يفطن أحد للحكمة و الدروس المستفادة منه.
فقد تلاحظ موظفا بسيطا يتملق رئيسه و يكيد لمن حوله و يشى بهم و يتسلق على أكتافهم مثبتا لرئيسه كفاءته و استحقاقه للقرب منه ليؤكد له أنه "معاه و ليس مع الناس التانيين"..قد ينفعه ذلك مرة أو أكثر و لكن فى إحدى المرات و دون سبب واضح يطيح به رئيسه فيهبط إلى أدنى مكانة و هنا يقول له موضحا السبب أنه " الناس التانيين"... و يضحك..و يضحك الجميع.
و قد تجد مسئولا كبيرا فى موقعه يندمج فى المنظومة المنهارة و يتستر على الفساد و يخفى وجه الحقيقة القبيح ليثبت لمن هم أعلى منه أنه جدير بثقتهم و أنه "معاهم و ليس مع الناس التانيين" و لكن سرعان ما تتدخل حسابات أخرى فى تلك العلاقة فيعرضون عنه قائلين "إحنا الناس التانيين"...ثم يضحكون..و يضحك الجميع.و قد ترى شخصية ما تسعى إلى منصب عالمى رفيع فتقدم الكثير من التنازلات...و تغازل مختلف الأطراف المؤثرة فى العالم بأحاديث و حجج و اعتذارات و مبررات واهية لتثبت لهم جدارتها بذلك المنصب و قدرتها على خدمتهم لأنها "معاهم و ليس مع الناس التانيين" ...و لكن فى الساعة الحاسمة تفاجأ بالجميع يديرون لها ظهورهم قائلين "إحنا الناس التانيين"..ثم يضحكون...و يضحك الجميع.
و قد تجد دولة تبلغ من الضعف ما يجعلها تتنازل عن مكانتها و سيادتها و غير ذلك لترتمى فى أحضان دولة أخرى تعتقد أنها حليفتها و صديقتها المقربة فتقدم لها كل فروض الولاء و الطاعة لتثبت أنها "معاها و ليس مع الناس التانيين" ...لتجد فجأة و فى أحلك المواقف تلك الدولة تخذلها و ترفع يدها عن كل شئ قائلة لها معذرة "إحنا الناس التانيين"..ثم تضحك...و يضحك العالم أجمع.
هكذا تجد -على جميع الأصعدة- ما لا يعد و لا يحصى من الأمثلة على أفراد و جماعات يتخلون عن مبادئهم و يتلونون تبعا للظروف المحيطة فيغيرون قناعاتهم سريعا -إن كان لهم قناعات فى الأصل- و يتخذون مواقف هلامية لاعتقادهم أن ذلك يجلب لهم منفعة ما من طرف أقوى يريدون أن يثبتوا له أنهم "معاه و ليس مع الناس التانيين" ليلاقوا نهايتهم عاجلا أم آجلا عندما يقول لهم الطرف الأقوى ساخرا أنه "الناس التانيين" ثم يضحك..و يضحك الجميع..!
No comments:
Post a Comment