Monday, March 29, 2010

قطار الوطن



فى كتابه "ماذا علمتنى الحياة؟" ذكر الدكتور جلال أمين أحد أحب أساتذة الحقوق له الدكتور حسين خلاف و ذكر إحدى حكاياته لهم و التى استرعت انتباهى عندما قرأت الجزء التالى:

"...يحكى لنا مثلا عن مصلحة السكك الحديدية التى استوردت قطارات من دولة أوروبية لا تعرف الفرق بين الدرجة الأولى و الثانية. و إذ تصر مصلحة السكك الحديدية المصرية على تقسيم القطار إلى درجات لا تجد وسيلة لذلك أفضل من أن تشوه بعض الدواوين و تزيل منها بعض وسائل الراحة حتى تصبح أكثر ملاءمة لذوى الدخل المنخفض"

عندما قرأت تلك الوقعة ورد بذهنى حال البلاد اليوم و شعرت أن تلك السياسة القديمة التى ترجع إلى عشرات السنوات قد استفحلت يوما بعد يوم لتشمل الوطن بأكمله...ذلك القطار الذى يقلنا جميعا على اختلاف أعمارنا و توجهاتنا و مستوياتنا التعليمية و الثقافية.

شعرت أن من يقودون قطار الوطن لا يستسيغون قط أن يقلّوا الجميع دون فرق و يرون أنه من الواجب تصنيف المواطنين إلى درجات لإعطاء كل درجة ما تستحق-من وجهة نظرهم- لذا أخذوا يهملون بعض الأماكن عن قصد و يتجاهلون الإصلاحات و المرافق و الخدمات الأساسية و هو بمثابة التخريب المتعمد لجعل المكان ملائم لذوى الدخل و النفوذ المحدود أو المعدوم. و على الجانب الآخر يتم الاهتمام بالأماكن التى تجمع الدرجات العليا لتلائم مقامهم العالى-من وجهة نظرهم القاصرة أيضا- حتى و لو كان التفضيل فيه من الإجحاف المفرط ما تراه فى حالة حرمان الكثير من عربات الدرجات الدنيا فى قطار الوطن من المرافق الأساسية كالصرف و مياة الشرب التى تغرق ملاعب الجولف فى عربات الدرجة الأولى.

و إذا تمعنّا فى كل شئ يمكن ضرب الكثير من الأمثلة الدالة على التناقض الصارخ و الفرق الشاسع الذى يبين سياسة تقسيم قطار الوطن إلى درجات دون إدراك أنه مهما تم تقسيمه داخليا إلى مستويات فإنه سيظل متصلا و إذا شب الحريق فى عربات الدرجات الدنيا فإنه سرعان ما سيمتد إلى الدرجة الأولى ليحترق قطار الوطن بأسره...!!!

Tuesday, March 02, 2010

المرأة فى القضاء

فى الموضوع السابق "المرأة فى البرلمان" تناولت قرار تخصيص عدد ثابت من المقاعد للمرأة فى مجلس الشعب و أوضحت أسباب اعتراضى عليه ...و اليوم أتناول قرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة برفض تعيين المرأة فى القضاء الإدارى و أورد أسباب اعتراضى المستنبطة من آراء المتخصصين فيما يلى.



من المعروف أنها ليست المرة الأولى التى تثار فيها تلك القضية فقد انتشر الجدل حول أحقية و جواز عمل المرأة فى القضاء منذ عشرات السنوات...و لعلنى أذكر أن معظم ما أقرأ و أسمع من آراء و مبررات لذلك الرفض فيها من الحجج الواهية أكثر من النقاط المقنعة لكونه كلام مرسل فى كثير من الأحوال.

و من الجدير بالذكر قبل التعمق فى التفاصيل الإشارة إلى الآراء إلى أن الآراء عادة ما تتصل بشك أو بآخر بأحد جانبين :
الجانب الشرعى و الذى يستند إلى رأى الدين و مدى جواز الأمر
جانب الملاءمة الذى يستند إلى الظروف و الواقع.

و إذا نظرنا إلى الجانب الشرعى-وبعدالاطلاع على العديد من آراء الأئمة و العلماء- نرى أنه لا مانع من تولى المرأة القضاء و إن استثنى الكثيرون مسائل الحدود و الدماء فى حين أجازها البعض فى ظل النظام القضائى الحالى الذى يتميز بمراحل متدرجة للتقاضى بالإضافة إلى عدم انفراد قاض واحد بالحكم.

و بالحديث عن نظام القضاء الحالى يجب الإشارة إلى أنه فى يختلف عن صورته القديمة التى تحتاج إلى شروط فى القاضى قد لا تتوافر فى الكثير من القضاة الرجال اليوم لأنه كان منصب مركّب و يستند إلى الاجتهاد و السلطة التقديرية بشكل أساسى دون الاستناد إلى أى إطار دستورى أو قانونى يحدد القاضى كما يحدث اليوم مما ييسر تولى القضاء لأى شخص درس و تدرج فى المناصب رجلا كان أم امرأة.

و عندما نصل إلى تلك النقطة عادة ما يظهر الكثيرون رجالا و نساء-للأسف- مرددين الجزء المقتطع من حديث الرسول-ص- فى وقعة الفرس "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" و هو أمر مردود عليه بأن ذلك الجزء يأتى فى إطار حديث كامل و يخص قوم الفرس فى حادثة خاصة و يأتى بصيغة الإخبار و لا يترتب عليه حكم شرعى –كما أوضح العديد من العلماء-.

و هنا تظهر نفس الفرقة التى تسوق الأدلة بأحاديث مقتطعة و فهم منقوص فيقولون و ماذا عن "ناقصات عقل و دين"..و يأتى الرد أيضا بأن ذلك الجزء المبتور من الحديث جاء فى مناسبة معينة و أسهب العديد من العلماء فى إيضاحه بما لا يجعل مجالا لاستخدامه للاستهزاء أو الانتقاص من المرأة ..حتى أن الإجابة المباشرة عن تفسير نقص العقل لم يكن نقص القدرات العقلية أو الحكمة و إنما كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل و هو حكم شرعى ليس لع علاقة بالذكاء أو الحكمة و إلا لما كا الرسول-ص- استمع إلى رأى زوجته فى حادثة صلح الحديبية و لا سمح عمر بن الخطاب لامرأة أن تحاجّه و لا عين امرأة (الشفاء بنت عبد الله) للإشراف على الأسواق ...و غير ذلك من الأمور التى ما كانت تحدث لو أن الرسول-ص- و الصحابة تبنوا النظرة الدونية للمرأة و اعتبروها كائن سفيه كما يحدث اليوم.

إذا فالجانب الشرعى و جواز الأمر مردود عليه منذ زمن طويل و تتبناه دول إسلامية عديدة منذ سنوات ..لذا عادة ما يبقى جانب الملاءمة للعبث و التبرير.

فعلى سبيل المثال يقول رئيس محاكم القضاء الإدارى "أن العمل القضائى فى مصر لا يناسب المرأة و لا يمكنها الالتفات إلى واجباتها الأسرية و الاجتماعية" ...و هو قول يردده الكثيرون و أراه عجيبا لأنه قياسا على هذا الرأى يمكن منع المرأة من الكثير من الأعمال مع العلم أن ذلك أمر نسبى يرجع إلى تقدير المرأة و أسرتها...فماذا لو كانت توفى حق أسرتها؟ و ماذا لو لم يكن لديها التزامات أسرية قاسية؟. و ماذا لو ارتضت و أسرتها تلك النوعية من العمل؟...فى النهاية هو أمر يخصها تماما..!!

و يأتى مثال آخر للحجج العجيبة عندما يقال "أنه لا يمكن تصور سفر السيدات للعمل فى محاكم الصعيد ووجه بحرى و إقامتهن فى ذات الاستراحة المخصصة للقضاة فى ظل الامكانيات المحدودة و ضعف التجهيزات".....و هى حجة غريبة لأنها تستند إلى قصور خارجى فى النظام و الإمكانيات التى ليس للمرأة أو كفاءتها أو عقلها دخل فيه فأولى ألا يذكر كمبرر من الأساس.

و يأتى المبرر الأكثر سخافة عندما يتحدث البعض عن التكوين الفسيولوجى للمرأة و ما قد يعتريها من تغيرات قد تعيقها عن العمل...و هو قول شديد السذاجة لأنه لا يضع فى الحسبان أن القاضى الرجل أو المرأة على حد السواء بشر يعتريهم ما هو أشد كالأمراض المزمنة مثل الضغط أو السكر الذى قد يؤثر على تركيز و أداء الشخص بل قد يُذهبه فى غيبوبة... كما نعلم جيدا أن المرء عرضة لأى نوع من المرض أو الحوادث التى قد تقعده شهورا و أعواما.

و هكذا يمكن سرد العديد من الأمثلة على الحجج الواهية التى يرددها الرجال و النساء أيضا دون إيراد الأمر على العقل للتفكير لوهلة فيخرج الكلام مرسلا و عجيبا و أحيانا سخيفا و يبدأ الناس فى الاقتناع به و كأنه من المسلمات..!!

خلاصة القول أعترف أننى لست بفقيه دستورى أو قانونى أو شرعى و لكننى قرأت و سمعت العديد من الآراء
ليستقر داخلى قناعة بجواز الأمر...مع ذلك لا أتحيز لمجرد التحيز مثل الكثيرات فالأمر بالنسبة لى ليس تعصبا و قد ظهر حيادى سابقا فى موقفى الرافض لتخصيص مقاعد للمرأة فى مجلس الشعب ...وكالعادة لدى القابلية لسماع الآراء و الحجج المختلفة ما دامت لا تنحدر إلى درجة السذاجة و اللاموضوعية...و كما أقول دائما أن أنه عند تكافؤ الفرص الفيصل واحد والمعيار ثابت و هو الكفاءة و جدارة المواطن بالمنصب رجلا كان أم امرأة.

Monday, March 01, 2010

المرأة في البرلمان

منذ عدة شهور كنت قد كتبت موضوعاً -لم أنشره- عن المرأة فى مجلس الشعب و بالأخص رأيي فى قرار تخصيص عدد محدد من المقاعد للمرأة بدءاً من الانتخابات القادمة ...ثم جاءت قرارات المحكمة الإدارية العليا بعدم تعين المرأة فى القضاء الإدارى و الجدل المثار حولها فقررت أن أنشر الموضوع السابق و يليه موضوع آخر عن الجدل الحالى
----------------



فى الشهور القادمة و كلما اقتربنا من الانتخابات البرلمانية يكثر الحديث عن الأحزاب و المرشحين و التوقعات بالنسبة للنزاهة و حجم التزوير و نسب المعارضة و المستقلين إلى آخره من الأمور التى تتعلق بتلك الانتخابات و كواليسها .و لكننى أعتقد أن الموضوع الذى سيضاف أو بمعنى أصح يعود بقوة إلى ساحة النقاش هو تخصيص 64 مقعد للمرأة فقط من خلال تحديد 32 دائرة انتخابية يقتصر فيها الترشيح على المرأة فقط و أقول أنه سيعود لأنه بالفعل تم تناوله كثيرا على سبيل الجد تارة و على سبيل الهزل تارة أخرى من خلال المقالات و الحوارات التلفزيونية و رسم الكاريكاتور و كالعادة يكون الحديث الجاد خال من الموضوعية وتكون الأحاديث أو الرسوم الهزلية مليئة بالاستهزاء المجحف.

إلى هنا قد يعتقد البعض أننى أمهد للدفاع عن حق المرأة فى الترشح و الدخول إلى معترك السياسة من خلال تلك الخطوة التى احتفى بها الكثيرون و لكننى لست من تلك الفرقة التى تصفق لأى قرار يخص المرأة لمجرد أننى فتاة على العكس إننى أكتب اليوم لأعبر عن استيائى من هذا القرار لعدة أسباب:

أولا:أن الأمر يخل بمبدأ مساواة المواطنين فى الحقوق –من وجهة نظرى المتواضعة- و لا أعلم إن كان الدستور فيه ما يسمح بتمييز فئة عن فئة على تلك الشاكلة.و بالرغم من حجة المؤيدين بأن هذا نوع من التمييز الإيجابى فإننى أرى أن ذلك أشد وطأة لأنه محاولة لإلباس التمييز لباسا براقا ليتقبله الناس و لكنه فى نهاية الأمر تمييز ضد فئة معينة فى حق ما.

ثانيا:أن الغاية من وجود البرلمان –أو المفترض- هو اختيار المواطنين لممثليهم بشكل عادل للجميع بحيث يكون هو الأفضل و الأقدر على تمثيلهم و نقل مطالبهم و أراءهم و شكواهم إلى الجهات المختصة فى الدولة فالعبرة بالأقدر رجلا كان أم سيدة أو حتى عفريتا.وقصر دوائر محددة للمرأة يقلل من فرص التنافس للجميع لإفراز الأفضل.

ثالثا:أن الحقوق بصفة عامة لا تمنح عن طريق تمييز البعض و لكنها تكتسب بقدرة مستحقيها على انتزاعها بكفاءاتهم.لذا فإنه فى تلك الحالة -على فرض أن هناك انتخابات حرة نزيهة -على من ترى فى نفسها القدرة و الكفاءة لتمثيل الشعب أن تعمل من أجل تحقيق ذلك و الحصول عليه عن جدارة لا أن يقتطع لها مقعد فى البرلمان و كأنه منحة أو عطية من ولى الأمر.

رابعا:أن هذا الأمر قد يحمل من الأضرار أكثر من الفوائد للمرأة نفسها لأن تحديد دوائر معينة يفترض أن المرأة فيها هى الأقدر على تمثيل الشعب و هو ما ليس صحيحا بالضرورة لأن فرص التنافس لم تكن متاحة للجميع و بالتالى قد تفوز إحداهن بالرغم من عدم جدارتها و بالتالى تسئ إلى صورة المرأة فى العمل السياسى و تعكس صورة سطحية و غير مسئولة فتكون مثارا للنقد لا لشخصها بل لكل امرأة سواء كانت كفء أم لا( و ذلك لاعتياد المجتمع على تعميم النقد السلبى على كل السيدات فى العمل السياسى -و غيره- إن أخطأت إحداهن على عكس ارتباط النقد بالأشخاص فى حالة الرجال).

خامسا:أنه من الوارد أن تلك الخطوة فى نهاية الأمر تحمل فى طياتها أهداف أخرى لخدمة مصالح الأغلبية حيث سيكون لهم ضمان السيطرة على مقاعد معينة لعملهم على تجهيز و دعم مرشحاتهم منذ وقت طويل و بالتالى إزاحة المرشحين المعارضين الرجال من تلك الدوائر.

كانت هذه أهم النقاط التى دارت بذهنى وقد يرى البعض أن تحليلى للأمر مجحف أو يتهمنى بقصر النظر و رفض حق من الحقوق التى تمنح لى و لغيرى و هنا أرد مؤكدة مرة أخرة أن الحقوق لا تمنح بل يجب أن تكتسب عن جدارة و استحقاق.