Tuesday, March 02, 2010

المرأة فى القضاء

فى الموضوع السابق "المرأة فى البرلمان" تناولت قرار تخصيص عدد ثابت من المقاعد للمرأة فى مجلس الشعب و أوضحت أسباب اعتراضى عليه ...و اليوم أتناول قرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة برفض تعيين المرأة فى القضاء الإدارى و أورد أسباب اعتراضى المستنبطة من آراء المتخصصين فيما يلى.



من المعروف أنها ليست المرة الأولى التى تثار فيها تلك القضية فقد انتشر الجدل حول أحقية و جواز عمل المرأة فى القضاء منذ عشرات السنوات...و لعلنى أذكر أن معظم ما أقرأ و أسمع من آراء و مبررات لذلك الرفض فيها من الحجج الواهية أكثر من النقاط المقنعة لكونه كلام مرسل فى كثير من الأحوال.

و من الجدير بالذكر قبل التعمق فى التفاصيل الإشارة إلى الآراء إلى أن الآراء عادة ما تتصل بشك أو بآخر بأحد جانبين :
الجانب الشرعى و الذى يستند إلى رأى الدين و مدى جواز الأمر
جانب الملاءمة الذى يستند إلى الظروف و الواقع.

و إذا نظرنا إلى الجانب الشرعى-وبعدالاطلاع على العديد من آراء الأئمة و العلماء- نرى أنه لا مانع من تولى المرأة القضاء و إن استثنى الكثيرون مسائل الحدود و الدماء فى حين أجازها البعض فى ظل النظام القضائى الحالى الذى يتميز بمراحل متدرجة للتقاضى بالإضافة إلى عدم انفراد قاض واحد بالحكم.

و بالحديث عن نظام القضاء الحالى يجب الإشارة إلى أنه فى يختلف عن صورته القديمة التى تحتاج إلى شروط فى القاضى قد لا تتوافر فى الكثير من القضاة الرجال اليوم لأنه كان منصب مركّب و يستند إلى الاجتهاد و السلطة التقديرية بشكل أساسى دون الاستناد إلى أى إطار دستورى أو قانونى يحدد القاضى كما يحدث اليوم مما ييسر تولى القضاء لأى شخص درس و تدرج فى المناصب رجلا كان أم امرأة.

و عندما نصل إلى تلك النقطة عادة ما يظهر الكثيرون رجالا و نساء-للأسف- مرددين الجزء المقتطع من حديث الرسول-ص- فى وقعة الفرس "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" و هو أمر مردود عليه بأن ذلك الجزء يأتى فى إطار حديث كامل و يخص قوم الفرس فى حادثة خاصة و يأتى بصيغة الإخبار و لا يترتب عليه حكم شرعى –كما أوضح العديد من العلماء-.

و هنا تظهر نفس الفرقة التى تسوق الأدلة بأحاديث مقتطعة و فهم منقوص فيقولون و ماذا عن "ناقصات عقل و دين"..و يأتى الرد أيضا بأن ذلك الجزء المبتور من الحديث جاء فى مناسبة معينة و أسهب العديد من العلماء فى إيضاحه بما لا يجعل مجالا لاستخدامه للاستهزاء أو الانتقاص من المرأة ..حتى أن الإجابة المباشرة عن تفسير نقص العقل لم يكن نقص القدرات العقلية أو الحكمة و إنما كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل و هو حكم شرعى ليس لع علاقة بالذكاء أو الحكمة و إلا لما كا الرسول-ص- استمع إلى رأى زوجته فى حادثة صلح الحديبية و لا سمح عمر بن الخطاب لامرأة أن تحاجّه و لا عين امرأة (الشفاء بنت عبد الله) للإشراف على الأسواق ...و غير ذلك من الأمور التى ما كانت تحدث لو أن الرسول-ص- و الصحابة تبنوا النظرة الدونية للمرأة و اعتبروها كائن سفيه كما يحدث اليوم.

إذا فالجانب الشرعى و جواز الأمر مردود عليه منذ زمن طويل و تتبناه دول إسلامية عديدة منذ سنوات ..لذا عادة ما يبقى جانب الملاءمة للعبث و التبرير.

فعلى سبيل المثال يقول رئيس محاكم القضاء الإدارى "أن العمل القضائى فى مصر لا يناسب المرأة و لا يمكنها الالتفات إلى واجباتها الأسرية و الاجتماعية" ...و هو قول يردده الكثيرون و أراه عجيبا لأنه قياسا على هذا الرأى يمكن منع المرأة من الكثير من الأعمال مع العلم أن ذلك أمر نسبى يرجع إلى تقدير المرأة و أسرتها...فماذا لو كانت توفى حق أسرتها؟ و ماذا لو لم يكن لديها التزامات أسرية قاسية؟. و ماذا لو ارتضت و أسرتها تلك النوعية من العمل؟...فى النهاية هو أمر يخصها تماما..!!

و يأتى مثال آخر للحجج العجيبة عندما يقال "أنه لا يمكن تصور سفر السيدات للعمل فى محاكم الصعيد ووجه بحرى و إقامتهن فى ذات الاستراحة المخصصة للقضاة فى ظل الامكانيات المحدودة و ضعف التجهيزات".....و هى حجة غريبة لأنها تستند إلى قصور خارجى فى النظام و الإمكانيات التى ليس للمرأة أو كفاءتها أو عقلها دخل فيه فأولى ألا يذكر كمبرر من الأساس.

و يأتى المبرر الأكثر سخافة عندما يتحدث البعض عن التكوين الفسيولوجى للمرأة و ما قد يعتريها من تغيرات قد تعيقها عن العمل...و هو قول شديد السذاجة لأنه لا يضع فى الحسبان أن القاضى الرجل أو المرأة على حد السواء بشر يعتريهم ما هو أشد كالأمراض المزمنة مثل الضغط أو السكر الذى قد يؤثر على تركيز و أداء الشخص بل قد يُذهبه فى غيبوبة... كما نعلم جيدا أن المرء عرضة لأى نوع من المرض أو الحوادث التى قد تقعده شهورا و أعواما.

و هكذا يمكن سرد العديد من الأمثلة على الحجج الواهية التى يرددها الرجال و النساء أيضا دون إيراد الأمر على العقل للتفكير لوهلة فيخرج الكلام مرسلا و عجيبا و أحيانا سخيفا و يبدأ الناس فى الاقتناع به و كأنه من المسلمات..!!

خلاصة القول أعترف أننى لست بفقيه دستورى أو قانونى أو شرعى و لكننى قرأت و سمعت العديد من الآراء
ليستقر داخلى قناعة بجواز الأمر...مع ذلك لا أتحيز لمجرد التحيز مثل الكثيرات فالأمر بالنسبة لى ليس تعصبا و قد ظهر حيادى سابقا فى موقفى الرافض لتخصيص مقاعد للمرأة فى مجلس الشعب ...وكالعادة لدى القابلية لسماع الآراء و الحجج المختلفة ما دامت لا تنحدر إلى درجة السذاجة و اللاموضوعية...و كما أقول دائما أن أنه عند تكافؤ الفرص الفيصل واحد والمعيار ثابت و هو الكفاءة و جدارة المواطن بالمنصب رجلا كان أم امرأة.

No comments: