Saturday, May 29, 2010

خلّى بالك من ضميرك


ها أنا ذا أدلف إلى الجامع الأزهر فى وقت الظهيرة حيث القيظ الشديد...أتصفح وجوه مرتاديه من السياح و الزوار فى الساحة و طلاب العلم و العلماء فى الأروقة و و غيرهم ممن ينتشرون فى أنحائه...أرى فيهم العالم يتلخص فى لحظة واحدة على مساحة صغيرة تجمع الأبيض و الأسود و الأصفر...المسلم و غير المسلم فى سكينة و هدوء لا تخلو من الحركة و النشاط.

يرتفع صوت الإمام بالإقامة ليعلن عن بدء صلاة الظهر...أنطلق إلى مكان الصلاة لأنضم إليهم....يتردد من الخلف نداء ليشوه المشهد...

"كل واحدة تخلى بالها من حاجتها...كل واحدة تخلى حاجتها أدّام عينيها...الموبايل...الشنطة...خللى بالك...."

يتكرر النداء بصيغ مختللفة و صوت أعلى مرات عديدة قبل و أثناء الصلاة...أعلم أن هذا النداء يتردد فى كل أماكن الصلاة من أصغر زاوية إلى أكبر جامع للتحذير من السرقة التى تحدث حتى فى المسجد الحرام...لعلنى سمعت ذلك مئات المرات ...و لكنه لوهلة أثار انزعاجة و أصابنى بغصة فتلك النداءات لا تعدو أن تكون إعلان عن أنه من المسلمين من لا يتورع عن السرقة فى بيوت الله منذ عشرات السنين و أن الجزء الآخر لم يعد ينزعج من حدوث تلك الجرائم اليومية فى لحظات الوقوف بيد يدى الله....قد يكون انزعاج الشخص و قلقه الأكبر على حذائه الغالى أو موبايله الحديث الذى قد يفقده فيبقى جوارحه مشغولة بمراقبة ممتلكاته...و لكنه فى واقع الأمر لايشمئز لحدوث ذلك الفعل المشين فى بيت الله كل يوم فى كل صلاة.

أتخيل لو أن أحد السياح غير المسلمين قد صادف تلك النداءات و تساءل عنها ...حتما ستُكوّن صورة فى ذهنه عن الجامع كمكان غير آمن و مرتع للصوص حتى أنه يحذرون فيه من السرقة بشكل طبيعى و يتقبل مرتادوه ذلك بشكل أكثر طبيعية و كأنه ليس أمرا جللا.

هكذا يألف الناس الخطأ سواء بفعله أو عدم الامتعاض من تفشيه...و لعلنا نحتاج إلى وجود نداءات الإنسان الداخلية بمثل ذلك الإلحاح لا لتذكره بالحفاظ على حذائه و ماله و هاتفه بل لتذكره بأن يحافظ على أثمن شئ قد يفقده ...تلك النداءات الصادرة من أعماقه لتذكره

""خلّى بالك من ضميرك...خلّى بالك من ضميرك!!ا

Monday, May 10, 2010

المتألقة


هى كاتبة المستقبل كما يحلو لها أن تطلق على نفسها هى و أصدقاؤها و...و كاتبة الحاضر و المستقبل كما أراها ...فهى تكتب بذلك الأسلوب الذى يعكس علاقاتها الفريدة مع الأشخاص و الأشياء و الأماكن...حتى أنك لتشعر أنها تعانق قلمها و تسر له بمكنوناتها فينطلق على الورق ليصيغها كلمات تثير جميع حواسك.

فإذا ذكرت القهوة تشم رائحتها المنبعثة من فنجانها...ذلك الفنجان الذى لا يحوى معشوقتها فحسب إنما يتسع ليحتويها و يضمها أكثر مما تضمه...يشكل لها ملاذا آمنا من ظلام الليل الموحش...يدثرها فى برد الشتاء القارس...يصرف عنها إلحاح النوم المتصل...و يحميها من كآبة الوحدة القاتلة.

و إذا ذكرت الشيكولاتة...تشعر و كأن مذاقها قد انتقل إليك...و بهجتها قد غمرتك و إن لم تكن من عاشقى الشيكولاتة مثلها...فعلاقتهما معا تتعدى علاقة التهام إنسان لقطعة طعام...كأنما تضعها فى فمها لا لتأكلها و إنما لتتبادل معها حديثا بلغة لا يفهمها سواهما ...فتهمس إليها و هى تلوكها ببطء كى تطيل حديثهما...و قبل أن تذوب فى فمها تكون هى قد ذابت فيها.

و إذا ذكرت المنيل...تشعر و كأنها تتحدث عن منيلها الخاص لا عن منيل العوام...منيلها الذى يحمل براءة الطفولة و أحلام الصبا و عبق الذكريات...منيلها الذى يخيل إليك من حديثها أنه دويلة جديدة على الخريطة ...بل كويكب منفرد فى المجرة...منيلها الذى تحتضنه داخلها بشوارعه و أناسه أكثر مما يحتضنها.

حتى ألوانها الخشبية ليست مجرد أقلام صماء...بل هم أصدقاؤها الصغار الذين ينتشون كلما أمسكت بهم لترسم خطا أو تملأ أوراقها بشخابيطها ...لأنهم يعلمون أن أمامهم الكثير من المرح فى تلك اللحظات...و هم كألوان يلخصون حياتها التى تحفل بأطياف من الأشخاص و الأحداث و المواقف و الاهتمامات و الإبداعات التى تمتلئ بالتناقض المتجانس أو التجانس المتناقض...و الذى يزيد تألقها تألقا.

كل عام و أنت أكثر تألقا :kaboria: