اللاشئ
يوم جديد تطل على استحياء شمسه معلنة قدومه .... محملة بهموم لم أعد أدرى ما هى أحاول أن أنهض لأستقبله...يمنعنى شئ ما من النهوض...أقاوم ذاك الشئ أو" اللا شئ "و انفصل عن السرير اللعين الذى ألتصق به لساعات دون أن يراودنى حلما أو حتى كابوسا...فقط يراودنى "اللا شئ"....أغادره أخيرا بخطوات ثقيلة و كأن مغناطيسا ضخما يجذبنى الى الوراء...أمسك بالجريدة لأتفقد أحوال الطقس....تقول الجريدة أنه يوم مشمس ...و لكن حدسى يخبرنى أنه يوم ملبد بالغيوم....أنظر من النافذة... أرى بالفعل سماء مظلمة ملبدة بالغيوم....لا أعلم اأخطأت النشرة الجوية ...أم أن تلك الظلمة هى الظلمة بداخلى قد فاضت حتى اجتاحت الكون و صبغته بذلك اللون الكئيب ....أم أنه "اللا شئ"...؟!ا
أرتدى ملابسى...أحتسى "اللا شئ"...أنطلق الى حال سبيى و أنا لا زلت ما بين النوم و اليقظة...تلك الحالة التى تنتابنى لساعات قبل أن تتم يقظتى حتى أن الرائى ليسألنى ما بك....فأجيب "لا شئ"....!!ا
أرى فى ذاك الصباح الباكر من يمسحون قطرات الندى عن نوافذ سياراتهم...لا أعلم لماذا أشعر فى تلك اللحظة أنهم يمسحون عن وجه الكون دموعا أخذ يذرفها طوال الليل ....و.اتساءل ما الذى قد يبكى الكون هكذا ...تراه "اللا شئ"؟ !!!ا
أمضى فى طريقى....أتفحص أوجه الناس من حولى...يتملكنى شعور بالغضب لا أعلم مصدره...أحاول أن أقاومه....أشعر بنسيم الصباح الرقيق يداعبنى...أعرض عنه و أكاد أقسم أن أصرخ به لو كان بشرا.....أمخر عباب الكتل البشرية المحيطة بى من كل جانب ...أرى أناسا يعرفوننى و أعرفهم ...أمر أمامهم مرورا عابرا دون أن ينبس أحد منا ببنت شفة....لا أعلم هل استحلت شبحا أم هم من صاروا أشباحا ...أم ترانى تحولت الى ذلك "اللا شئ؟!!!...
.أمر على أخرين ...هذه المرة يلقون التحية .... أقنع نفسى أن تلك التحية موجهة لى و أننى لست شبحا...أبذل جهدا و أنا أرد التحية كى أرسم على شفتى تلك الابتسامة التى لا تنجح فى خداع الرائى و تخفى ما وراءها من الغيوم القاتمة....أجلس بين الجموع من حولى...أسمع لأصواتهم طنينا كطنين النحل ....أشعر بالانزعاج...يعلو شيئا فشيئا ... يتشابك الصياح مع الضحك مع الشجار ...يعلو الضجيج...تنتابنى تلك الرغبة المجنونة فى الصراخ ...الصراخ فى من حولى...الصراخ فى نفسى...الصراخ فى "اللا شئ"....أعلم أنه الجنون بعينه و لكن تلك الرغبة تنتابنى بشدة منذ زمن بعيد ... أخيرا أطلق صرخة مدوية ....و لكن لا أرى من ينتبه أو يتحرك قيد أنملة.....ترى هل كان صوتى خافتا الى ذلك الحد ....أم أننى لم أطلق تلك الصرخة الا داخلى...و لم تسمع الا داخلى...أم أننى فقط أطلقت "اللا شئ"....؟!!
أتأمل مشهد الغروب المهيب....أرى الشفق يحيط بالشمس التى ترحل كما ولدت فى الصباح على استحياء...و أرى ظهور الهلال الذى يبدو فى تحدبه ككهل حمله الزمان ما أحنى ظهره و قوسه.... أرى أسراب الطيور التى تهرع فى كل الاتجاهات و كأنها تفر من شئ ما....و أرى بقايا من نجوم أشعر و أنا أرى بريقها الخافت أنها تكبدت عناء كبيرا كى تنتصر على ذلك الضباب و تلك الغيوم التى توشح بها الكون...اتأمل و أتألم...لا أدرى هل أتألم لرحيل الشمس و تقوس الهلال و فرار الطيور و طغيان الضباب أم أننى أتألم لأنى استعذب الألم!!...استغرق فى التأمل الى أن أجد من يهمس فى أذنى "كفى"...أتلفت لأعلم من ذا الذى تجرأ ليقطع خلوتى....أتلفت و أنظر فأجد "اللا شئ".....!!!!!