فى تلك الدول التى تعترف بمبدأ تداول السلطة - المُستنكر فى بلادنا - استقر فى وعى المواطن بشكل راسخ لا يدعو إلى الشك أن سنّة الحياة تقتضى التغيير و أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أيا من كان على رأس الدولة - و الذى بالطبع لا يحمل سلطات مطلقة - يأتى بالانتخاب ليكون خادما للمواطنين الذين انتخبوه لفترة محددة مسبقا و يعلم جميع الأطراف أن لها نهاية يأتى بعدها غيره حتى و إن كان أعظم من وُلد فى عصره.
على الجانب الأخر و فى دول أخرى عمل البعض على مر السنين على تزييف وعى المواطن و إقناعه بأفكار- يلبسونها لباس المبادئ العظيمة- ترسّخ داخله قبول ثبوت السلطة.
أحد هذه المبادئ هو مبدأ كبير العائلة:
فيتحدثون عن الرئيس على أنه كبير العائلة و الأب الروحى للشعب و "كبيرهم و تاج راسهم" و أنهم دونه "" ميسووش مليم" و أن نقده انتقاص من هيبة الأب و نقص فى الأدب لعدم توقير الكبير.
و إدخال هذا المبدأ فى الوعى أو اللاوعى الشعبى يحول الرئيس من شخص منتخب يخدم الشعب إلى شخص على الشعب أن يوقره ويخدمه و يبرّه فلا يقل له أف.
مبدأ آخر هو مبدأ القِدَم:
فيعملون على التأكيد على عامل الخبرة و أن الرئيس كلما مكث أكثر على كرسيه كلما ازدادت خبرته فلا تضاهيها خبرة -إلا خبرة ابنائه التى قد تقترب من خبرته بحكم تربيتهم على حجر الجالس على الكرسى- و بالتالى يقف هذا المبدأ فى وجه أى مواطن لأنه لم يكن رئيسا سابقا "معتّقا" لديه ذلك القدر من الخبرة المزعومة.
مبدأ ثالث هو مبدأ الصمام:
وهو مبدأ عجيب غريب مريب يتعاما مع البلاد من وجهة نظر أنبوبة البوتاجاز و قد أخذ البعض يرددونه مؤخرا فيشيرون إلى أن الرئيس هو صمام الأمان للشعب و أن من دونه تتخبط البلاد و يحدث ما لا يحمد عقباه و هو مبدأ أخطر لأنه لا يغلق الباب فى وجه التغيير أو منافسة السيد الصمام فحسب إنما يرسخ بداخل المواطن شعور بعدم الأمان لأنه عاجلا أم آجلا سيرفع هذا الصمام و بالتالى يرفع معه الأمان المزعوم..!!!
و مع استنكارى لتلك الأفكار السخيفة على أن أعترف أن تشبيه الرئيس بالصمام لا يخلو من بعض الصحة ففى لسان العرب يأتى الصمام من صمم :
و الصَّمَمُ: انْسِدادُ الأُذن وثِقَلُ السمع
و يقال لصِمامِ القارُورة: صِمَّةٌ.
وصَمَّ رأْسَ القارورةَ يَصُمُّه صَمّاً وأَصَمَّه: سَدَّه وشَدَّه، وصِمامُها: سِدادُها وشِدادُها.
والصِّمامُ ما أُدْخِلَ في فم القارورة، والعِفاصُ ما شُدَّ عليه، وكذلك صِمامَتُها
وصَمَمْتُها أَصُمُّها صَمّاً إذا شَدَدْتَ رَأْسَها
وأَصْمَمْتُ القارورة أي جعلت لها صِماماً
فتحية للسيد الصمام!!